العتوب «بني عتبه» من عمان إلى قطر
العتوب «بني عتبه» من عمان إلى قطر
http://rasid.com/media/lib/pics/1132339682.jpg
حسين حسن السلهام * - 27 / 12 / 2010م - 3:43 م.... شيكة الراصد الاخبارية
عتبة في اللغة
قال الزبيدي: "العَتَبةُ، محركة كذا في نسختنا وسقط من نسخة شيخنا: «إسكُفَّة الباب» التي توطأ، أو العتبة العليا منهما، والخشبة التي فوق الأعلى: الحاجب، والإسكفة السفلى، والعارضتان العضادتان، والجمع عتب وعتبات، والعتب، أيضًا، الدرَج، وعتب عتبة: اتَّخذها، وعتبُ الدرج، مراقيها إذا كانت من الخشب، وكل مرقاة منها عتبة" انتهى[1] .
وقال الزبيدي أيضا: "وعَـتَبَ البرقُ عَتَبَاناً محركة، إذا برَق برقا ولاءً، «يَعْتُبُ ويَعْتِبُ» بالضم والكسر «في الكل»، أي في كل مما ذكره من معنى العتبة، والعرج والموجدة والظلَع، والوثوب والبرق، وإن أُغفِل عن الأخير، وفي عَتَبَ من مكان إلى مكان، ومن قول إلى قول إذا اجتاز، فالمنصوص في مضارعة الكسر وهذا مما أغفله" انتهى[2] .
وقال ديكسون نقلا عن الشيخ عبد الله السالم من بني عتب «أو بني عتبة»: "ووفقا للتعبير اللفظي، المستخدم في ذلك الوقت «عتبت» الأسر المهاجرة إلى «الشمال»، أي تحركوا نحو الشمال. ومن هذه الكلمة القديمة والجيدة، كما يقول فخامته، اشتُقَّ اسم بني عتب، أي القوم الذين عتبوا، أو انتقلوا. ولم يكن هذا الاسم - بأي حال - اسم فخذ من بطن العمارات من قبيلة عنزة" انتهى[3] .
وهناك من ينسب العتوب إلى جد فخذٍ من بني سليم، كما جاء في قول راشد بن فاضل: " وقد اطلعت «وقفت» على أكثر من خمسين ورقة، وفي كل ورقة: "قد اشترى فلان بن فلان العتبي". فالعتبية عندهم قديمة، والدليل ثلاثة من مشاهير بني سليم وهم عتبة بن فرقد، وعتبة بن غزوان الذي تنسب إليه العتبيون، وعتبة بن رياح، كل هؤلاء من سليم" انتهى[4] .
رجال في التاريخ عرفوا من بني عتبة
قبل أن نبحر في نسب العتوب «بني عتبة»، رأينا أن نوضح للقارئ الكريم أن كتب التاريخ ذكرت العديد من الرجال الذين ينتسبون إلى بني عتبة، وعرفوا ببني عتبة نسبةً لأسماء آبائهم «عتبة»، وهم من قبائل مختلفة، وفي حقيقة الأمر لا ندري إن كان هناك أيُّ صلة بين عتوب الخليج الذين يطلق عليهم في عصرنا الراهن بني عتبة، أو العتوب، وأولئك السابقين أبناء عتبة التالي ذكرهم:
1ـ ذكر الذهبي في ترجمة الوليد بن عتبة: >الوليد بن عتبة ابن أبي سفيان بن حرب الأموي، ولاه عمه معاوية المدينة، وكان جوادا حليمًا فيه دين وخير. قال يحيى بن بكير: "كان معاوية يولي على المدينة مرة مروان ومرة الوليد بن عتبة، وكذا ولاه يزيد عليها مرتين، وأقام الموسم غير مرة، آخرها سنة اثنتين وستين" انتهى[5] .
2ـ وقال التستري: " محمد بن جعفر العتبي قال: عده الشيخ في رجاله في أصحاب الرضا ، والعتبي نسبة إلى عتبة من عامر بن صعصعة أو من جذام، أو إلى عتبة والد الرحال الكلابي، أو إلى أحد المسمين بعتبة، سماهم التاج في عتب، أقول لم يذكر السمعاني - وهو العارف بهذا الشأن - في العتبي غير كونه منسوبا إلى عتبة بن غزوان الصحابي أو عتبة بن أبي سفيان الأموي" انتهى[6] .
3ـ وقال ابن حجر في ترجمة يزيد بن معبد اليمامي: "... عن معبد بن يزيد عن أبيه يزيد بن معبد قال: "وفدت إلى النبي صلى الله عليه «وآله» وسلم فسألني عن اليمامة في من العدد من أهلها، فأردت أن أقول في بني عبد الله بن الدؤل، فخفت أن أكذبه، فقلت فيهم في بني عتبة. فقال: صدقت"انتهى[7] .
حلف العتوب نسبة إلى «عتب»
يتكون حلف العتوب من عدد من القبائل والأسر وقد ذكر الشملان في تعليقه على هجرة آل الصباح وآل خليفة ومن معهم وسكناهم الكويت فقال: " ويقال إن ابن عريعر وهبهم الكوت، وكانت له عليهم سلطة، وهم مجموعة من العشائر والأسر: «الجلاهمة، الزايد، آل صباح، آل خليفة، المعاودة، آل رومي، آل سيف، آل بن علي» العشيرة الكبيرة والتي منها «الشيخ عيسى بن طريف» فاتح مدينة «بمباسة» في شرقي أفريقيا مساعدةً لسلطان عمان السيد «سعيد بن سلطان آل أبي سعيد» " انتهى[8] .
ولا يبدو أن عتوب منطقة الخليج ينتسبون إلى جد يطلق عليه «عتبة» وهذا ما يؤكده العتوب أنفسهم، بل كان اسم هذا الحلف القبلي يعود إلى المعنى اللغوي للكلمة «عتب»، والمقصود انتقل، أو صعد إلى منطقة أخرى، وكما ذكرنا آنفاً قول ديكسون نقلا عن الشيخ عبد الله السالم: " وفقا للتعبير اللفظي المستخدم في ذلك الوقت «عتبت» الأسر المهاجرة إلى «الشمال»، أي تحركوا نحو الشمال، ومن هذه الكلمة القديمة والجيدة، كما يقول فخامته، اشتُق اسم بني عتب، أي القوم الذين عتبوا أو انتقلوا، ولم يكن هذا الاسم - بأي حال - اسم فخذ من بطن العمارات من قبيلة عنزة" انتهى [9] .
وذكر الشيخ عثمان في سبائك العسجد فقال: "فنقول الكويت بضم الكاف وإسكان الياء بلا خلاف على ساحل بحر العدان بفتح العين في ضبط ذي الإتقان، لم تعمر قبل ورود أبيه العظيم الشأن، إلاَّ بريهة من الزمان، سكنها بنو عتبة، ولهم في عنزة بن أسد نسبة، والذي يظهر أنهم متباينو النسب، لم تجمعهم شجرة أم وأب، ولكن تقاربوا فنسب بعضهم لبعض، وما قارب الشيء يعطي حكمه على الفرض. والمقدم عليهم حين ورود أبيه «عبد الله بن صباح» وفقه الله للصلاح" انتهى[10] .
وقال لوريمر: " ينتمي العتوب إلى قبيلة عنزه كما هو معروف ولا يعرف من أسلافهم غير ذلك. وقد ظهروا لأول مرة في الخليج عندما استوطنوا الكويت سنة 1716، وقد بقي في الكويت فرع آل الصباح، ولم يغادروها أبدا، ولكن فروع آل فاضل والجلاهمة وآل خليفة بدأوا سنة 1766 بالانتشار على الساحل الشرقي للجزيرة العربية بين الكويت وحدود قطر" انتهى[11] .
رحلة العتوب أو بني عتبة إلى الخليج العربي
اختلف المؤرخون في أصول العتوب، ونسبهم، ومناطقهم التي هاجروا منها، ومازال هذا الموضوع محل اختلاف لدى المؤرخين، وسوف نستعرض بعض الأقوال المتضاربة في أصل العتوب، وهجرتهم، ومن ثم سوف نطرح رأينا في هذا الموضوع «رحلة العتوب من عمان» حسب قراءتنا لتاريخ المنطقة:
الرأي الأول: انتقل العتوب من الديلم إلى الكويت:
ذكر د. سلطان القاسمي: " في نهاية القرن السابع عشر كانت هناك ثلاث طوائف في منطقة الخليج، وهي: العتوب والخليفات، وتسكنان بالقرب من الديلم الواقعة في منتصف المسافة بين بوشهر ومدخل شط العرب، وطائفة الهولة المكونة من سبع أو ثمان من القبائل، وتسكن بندر كنغ القريبة من مدخل الخليج، وكانت هذه القبائل جميعها تغوص في مغاصات اللؤلؤ القريبة من البحرين، وتبيع ما تجمعه من اللؤلؤ في سوق البحرين التابعة لفارس، وبها حاكم من قبل السلطات الفارسية... وكان يجمع مبالغ طائلة من الرسوم التي بالغ في فرضها على سفن الغوص وتجار اللؤلؤ.
ولما كانت تلك الطوائف تمثل قوة بحرية مزودة بالبنادق والمدافع، فإن المسؤولين التابعين لفارس في البحرين قاموا ببث بذور الفتنة بين تلك الطوائف حتى لا تتحد ضدهم، فعادوا بعضهم بعضا، ودخلوا في حروب بحرية فيما بينهم، فقتل منهم أناس كثيرون، فانقطع وصول السفن والتجار إلى البصرة خوفا منهم؛ لأنهم يتواجدون على الممر الذي تسلكه السفن من مدخل الخليج إلى البصرة، وكذلك فإن أكثر المراكب التي تعمل بين الموانئ هي مراكبهم، فكانوا يستولون على مراكب بعضهم بعضا عندما يتقابلون في البحر، وفي إحدى المرات هاجمت طائفة الهولة قبيلة العتوب المتحالفة مع الخليفات في البحر، إذ باغتوهم وقتلوا من العتوب أربعمائة من الرجال، واستولوا على جميع أموالهم، ففر من بقي من العتوب، ولجأوا إلى الخليفات. بعد ذلك اكتشفت القبيلتان «العتوب والخليفات» أن مصدر هذه الفتنة هم المسؤولون التابعون لفارس في البحرين، فاتفقا على أن تقوما بالهجوم عليهم وقتلهم، وتخريب البحرين، فقام رجالهما في بداية شهر رجب من سنة 1113هـ «بداية شهر ديسمبر سنة 1701م» بالهجوم وإحراق المنازل الكائنة خارج قلعة البحرين، ونهبوا أموالهم، وقتلوا رجالهم، ثم عادوا من حيث أتوا أي من بندر الديلم، القريبة من شيراز عاصمة فارس.
وبما أن تحريك جنود فارس على الديلم لا يستغرق إلا بضعة أيام، فقد اتفق العتوب والخليفات على مغادرة الأراضي الفارسية والتوجه إلى البصرة، التابعة للدولة العثمانية، فانتقلوا جميعا ودخلوا أرض البصرة في يوم الأربعاء الموافق الحادي والعشرين من رجب سنة 1113هـ، الموافق 21 ديسمبر 1701م، وكان عددهم نحو ألفي بيت، في مائة وخمسين من المراكب" انتهى[12] .
ولا يختلف ج ج لوريمر عن قول القاسمي، فهو يقول: "وحسب رواية ما يزال يرددها آل الصباح حكام الكويت إلى اليوم، فإن أجدادهم قد جاءوا إلى الكويت بعد أن طردهم الأتراك من أم قصر على خور الزبير، وهو مكان قديم كانوا يتخذونه لقطع الطريق على القوافل المتجهة إلى البصرة أو القادمة منها، وكذلك للقرصنة على السفن في شط العرب، وحين أنشئت الكويت كان شيخ الجلاهمة رجلا يدعى جابر، وشيخ آل خليفة هو خليفة بن محمد، وشيخ آل الصباح - حسب إحدى الروايات - هو شيخ يسمى سليمان بن أحمد، وكان لآل الصباح لون من السيطرة السياسية على بقية فروع القبيلة، وتقول رواية أخرى بأن شيخ آل الصباح في ذلك الوقت كان رجلا يدعى رحيم" انتهى[13] .
الرأي الثاني: انتقال العتوب من الأفلاج إلى قطر والكويت
ذكر النبهاني قصة هجرة آل خليفة إلى الزبارة، فقال: " كان الشيخ خليفة هو وقومه بأرض «الهدار» من بلدان «الأفلاج» من نجد، وكان هو صاحب الرأي فيهم، فاستحسن مبارحة نجد، فظعن منه مع قومه ونزل بهم «الكويت» في القرن «12» هـ لأسباب مجهولة ربما كان القصد منها حب الاستقلال، والسعي وراء تشييد مملكة يكون هو ملكها، وأقام بالكويت إلى أن توفي مأسوفا عليه من أتباعه، مبكيًّا عليه من وراد فضله، فتقلد الأمر من بعده ابنه الشيخ محمد بن خليفة، فحصل له من جور وتعديات أمراء «المحمرة» بني كعب الشيعة الذين كان لهم نفوذ ومطامع في تلك الجهات ما زهده في سكنى الكويت، وحبب إليه الرحيل، فظعن بقومه ونزل بهم في الزبارة من بر قطر...
والزبارة موضع على الساحل تجاه جزيرة البحرين من جهة الجنوب كما بيناه «في تاريخ قطر»، وأول من نزل «الزبارة» وعمرها الشيخ أحمد بن رزق، ورغب الناس في سكناها بكرمه وبذل وده، وبالعدل بين نزلائه، فأتتها العرب من كل فج، فأسدل عليهم رداء حسانه «كذا؟» حتى تمولوا وصاروا يتجرون في اللؤلؤ، فأتاها الشيخ محمد بن خليفة زائرا، ولشراء اللؤلؤ منها، فأمطر على أهلها من سحب فضله نعما وافية، فبان لهم من أصالة رأيه وجليل سجاياه ما أوجب عليهم أن يرغبوه في الإقامة ببلدهم ليستفيدوا من عطاياه ومساعدته، فأجاب طلبهم، وأزاح وزرهم، فبزغ به بدر سعدهم، وسما به طود مجدهم، وجعلوه محط رجالهم، واتخذوه كعبة آمالهم. ولاغرو «فقد جُبِلت القلوب على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها»، فظعن من الكويت بمن يلوذ به، واستوطن الزبارة< انتهى[14] .
كما ذكر، أيضاً، ديكسون قصة رحلة العتوب من الأفلاج إلى الخليج نقلا عن الشيخ عبد الله السالم فقال: " اضطر القحط الرهيب والمستمر آل صباح، وكانت لهم السيادة في ذلك الوقت على قبيلة عنزة الكبيرة كلها، إلى الهجرة من أراضي نجد الداخلية بحثًا عن مكان أقل مشقة يعيشون فيه، وخرج معهم آل خليفة، وهم أسرة أخرى من العمارات، تحركوا - في بادئ الأمر - صوب الجنوب إلى وادي الدواسر، ولكن عندما تبينوا أن الأوضاع هناك ربما كانت أكثر مشقة مما هي عليه في نجد، عادوا من حيث أتوا، وتوجهوا إلى الزبارة في شبه جزيرة قطر على ساحل الخليج العربي، تصحبهم عدة عائلات كريمة، وأقل نفوذا من العمارات، منهم آل زايد «ويعرفون الآن بآل غانم»، وآل صالح، وآل شملان. ومرة أخرى اتضح أن الأوضاع في الزبارة ليست أحسنَ حالا، ولذلك انتقلوا، في مسيرات بطيئة، ومعهم ماشيتهم وأغنامهم، حتى وصلوا إلى نتوء بعيد من الأرض داخل في البحر، يتوفر به الماء العذب على بعد بضعة أقدام تحت سطح الأرض، وكان هذا المكان هو موقع مدينة الكويت الحالية" انتهى[15] .
وذكر، أيضاً، الشملان قصة هجرة آل الصباح وآل خليفة من «الهدار» بمقاطعة الأفلاج في نجد، وسبب مغادرتهم الهدار هو أنه حدث نزاع بين آل صباح وآل خليفة، وبين جماعة من بني عمهم، وأخيرا تغلبوا عليهم وأخرجوهم من البلد وغادروا نجدا إلى قطر حيث سكنوا بلدة الزبارة على ساحل قطر الغربي قرب البحرين ويقال إنهم أسسوها. وكانت قطر، آنذاك، تحت سيادة قبيلة بني خالد الشهيرة، ويحكم قطر من قِبَلهم «آل مسلم»، وبعد مدة غير معروفة هاجروا عن قطر بعد حادثة قتل لأحد أهالي قطر، وهناك قام القطريون يطالبون بدمه فرأى آل الصباح وآل خليفة ومن معهم أن خير عمل هو مغادرة قطر فغادروها.
وتفرق من كان مع آل صباح وآل خليفة؛ فمنهم من قصد جزيرة «قيس» في الخليج العربي - تابعة لإيران - ومنهم من قصد سواحل فارس، ومنهم من قصد المخراق... أما الذين سكنوا المخراق فتحولوا عنه بأمر من الدولة العثمانية التي رأت ما يقومون به من السلب وقطع الطريق في تلك الجهات، نزل آل الصباح وآل خليفة ومن معهم في «الصبية» في الجهة الشمالية الشرقية من الكويت، وتحولوا من قرية الصبية إلى جزيرة فيلكا، ومنها انتقلوا الى الكويت بعد السماح لهم من قبل ابن عريعر[16] .
الرأي الثالث: العتوب ارتحلوا من قرب المدينة المنورة إلى عمان
ذكر راشد بن فاضل البنعلي نسب البنعلي «العتبية» يتصل ببني سليم، وهم من نسل من تخلف ممن ارتحل إلى مصر، وكانوا في حرة بني سليم قرب مدينة الرسول، ثم ارتحلوا إلى الظفرة، وارتحلوا إلى حدود عمان، قوله: " وفي سنة 1356هـ «1937م» ضافنا رجل اسمه «الشيخ» محمد بن عباس من بني صابر «من ذرية عباس بن مرداس» يخبرنا «يزعم» أن عنده تاريخ «نزول» بني سليم في هذا الطرَف، ووعدنا بإرساله لنا، أو يحضره معه، وقد توفي، يذكر أن جماعة بني سليم ارتحلوا إلى عمان أربعمائة بيت «أو رجل» في القرن العاشر من الهجرة، وأن أهل عمان حكموا عليهم بأن كل مائة بيت تنزل طرفا، فنزل في الباطنة مائة وفي الظفرة مائة، وفي قطر مائة، وفي جبرين مائة، وكل تخلق بأخلاق من جاوره، واستحضروا بعد البداوة، واتخذوا السفن. أقول: هذا القول قريب من الصحيح، لأن عندي ورقة مشترى نخل من سترة سنة 1111هـ «1699م» باسم جد البن سلامة، وقد اطلعت «وقفت» على أكثر من خمسين ورقة وفي كل ورقة: قد اشترى فلان بن فلان العتبي، فالعتبية عندهم قديمة، والدليل ثلاثة من مشاهير بني سليم وهم عتبة بن فرقد، وعتبة بن غزوان الذي تنسب إليه العتبيون، وعتبة بن رياح، كل هؤلاء من سليم" انتهى[17] .
هنا نتساءل من أين قدم العتوب إلى المنطقة «قطر والكويت والبحرين»
هناك تضارب فيما نقله المؤرخون في أصل المناطق التي قدم منها العتوب، منهم من نسبهم إلى الديلم على الخليج من مناطق فارس، وآخرون نسبوهم إلى الأفلاج في نجد، بينما نسبهم راشد بن فاضل إلى أرض عمان، فأيهما يجانب الحقيقة؟ وهل هناك رأي آخر يمكن أن نستنتجه من قراءتنا لتاريخ العتوب؟
نحتاج للإجابة على هذا السؤال إلى التحقيق في الروايات المتضاربة للخروج بإجابة أقرب للواقعية؛ لهذا سوف نبحر مع بعض المعلومات عن تاريخ العتوب لعلنا نقترب من ساحل الحقيقة.
مدى صحة قصة هجرة العتوب من الهدار في الأفلاج
أوضح الشملان أن آل خليفة وآل الصباح وآل رومي، والجلاهمة وغيرهم من الأسر، هاجروا من الأفلاج إلى قطر، «الزبارة» التي كانت تحت سيادة بني خالد، ويحكم قطر من قبلهم آل مسلم، وبعد اختلافهم مع آل مسلم نزحوا إلى جزيرة قيس، ومنهم من قصد سواحل فارس، ومنهم من قصد المخراق، ومنهم من نزل «الصبية» في الجهة الشرقية من الكويت، ثم غادروها إلى جزيرة فيلكا بعد أن طردتهم الدولة العثمانية، ومنها إلى أرض الكويت، وكان على أرضها الكوت، ويقال إن ابن عريعر وهبهم الكوت[18] .
القصة التي تروى عن انتقال هذه العشائر من الأفلاج وكأنها قبائل بدوية بين ليلة وضحاها تصبح قبائل تركب البحر، وتنتقل إلى سواحل بر فارس هذه الرواية فيها شيء من عدم المصداقية المقبولة، وخلاف لواقع القبائل البدوية، التي تكره ركوب البحر، وتهوى رمال الصحراء؛ لهذا فليس من المنطق المقبول أن تكون هذه القبائل البحرية التي يلاحظ أنها كطيور النورس تتنقل بين سواحل فارس والسواحل العربية كانت قبائل بدوية قادمة من الأفلاج، وسكنت أرض قطر، واختلفت مع أهلها، فركبت البحر وعبرته إلى سواحل فارس، وكأنها تحمل عصا موسى.
والملاحظ، أيضاً، أن هذه القبائل تمتهن أعمال الحضر، وليس لها صلة بالبداوة، وكما أشار لوريمر أن العتوب من المسلمين السنة على المذهب المالكي، وعتوب البحرين يعملون بالزراعة وصيد اللؤلؤ، وزراعة النخيل، وتجارة اللؤلؤ، والملاحة في الخليج حتى الهند وزنجبار.
ويؤكد هذا الرأي الأستاذ جلال الهارون فيقول: "إن المعلومات والوثائق المتوفرة لدينا - نحن أبناء هذا الجيل - عن عرب العتوب، تصفهم بأنهم عرب ليسوا من البدو على الإطلاق، بل هم ينحدرون من مجموعة عشائر بحرية تعتمد في معيشتها على ثلاث ركائز أساسية: الغوص على اللؤلؤ، والنقل البحري، وصيد الأسماك، وكانت هذه العشائر «العتوب» تسكن في بندر «الديلم» على الساحل الفارسي في الفترة السابقة للعام 1100هـ، وتقع بلدة الديلم في منتصف الطريق بين أبو شهر وعبادان" انتهى[19] .
لماذا اجتهد بعض العتوب بإلحاق نسبهم إلى نجد؟
إذا كان العتوب ليسوا من أرض نجد «كما أشرنا في الرأي الاول والرأي الثالث»، فلماذا ذكر بعض العتوب إ نتسبهم إلى نجد؟
أرى أنه من الطبيعي سعي بعض العتوب لإلحاق نسبهم بنجد، وذلك ليس خاصَّا بالعتوب فقط، فمن الطبيعي أن كل عربي يسكن في السواحل الفارسية، يُتَّهم بأنه فارسي الأصل، وعليه أن يعمل جاهدا لإثبات عروبته؛ لهذا اجتهد الكثير ممن سكنوا تلك السواحل أن نسبوا أنفسهم من وسط أرض العرب «نجد»، وهذا ما اتضح للرحالة إلى سواحل فارس.
من ضمن المشاهدات للرحالة بالجريف في بر فارس عام 1863م قوله: " إن رؤساء بر فارس يزعمون أنهم ينحدرون مباشرة من عشيرة مطير العظيمة أولئك الذين تعرفناهم من قبل في نجد العليا، ومن بين هؤلاء الرؤساء اثنان أو ثلاثة يزعمون أنهم ينتمون إلى سلالة بني خالد النسبية، سادة الأحساء الذين زالت دولتهم" انتهى[20] .
وذكر، أيضا، بالجريف أنه - أثناء زيارته لبر فارس - قام بزيارة للرئيس المحلي «عبد العزيز المطيري» المتعصب للوهابية، وكان هناك وفد من شيراز أرسل لتحصيل ضريبة متعثرة مطلوبة من حاكم المنطقة، ولم ينجح الوفد في تحصيل المطلوب؛ لأن عبد العزيز المطيري كان وهابيًّا متصلِّبًا كونه نجديًّا، ورفض رفضا قاطعا أن يسمح للإيرانيين الذي يعتبرهم أعداء الله بالمشاركة في خيرات الأرض قال بلجريف: "وطلبنا الدخول إلى القلعة، وأجابونا إلى طلبنا، وفي ديوان قريب من البوابة تعرض فيه السيوف والرماح والبنادق، شاهدنا رئيسنا، ذلك الشاب شديد الأناقة، الذي كان يرتدي ثيابا نجدية الطراز، وهو يزعم أنه ينحدر من سلالة نسبية نقية تنتمي إلى بني تميم وطابيخة، T. abikhahوقد همس ابن خميس ونحن على انفراد قائلا: أبدا إنه مثلي ومثلك تماما لا علاقة له بهذه القبيلة أو تلك" انتهى[21] .
وهكذا أصاب بعض العتوب «القبائل العمانية المهاجرة» ما خافوا منه؛ مثل قبيلة الجلاهمة عندما نسبهم المستشرق المستشرق ج. ج. سلدانها إلى فارس بقوله: "في حدود ما لدينا من معلومات، يرجع تاريخ الأسرة الحاكمة في البحرين إلى حوالي مطلع القرن الثامن عشر، عندما كانت البحرين ولاية تابعة لفارس، وقد قام آل خليفة، وهم فرع من عرب العتوب وأسلاف الشيخ الحاكم عيسى بن علي، وبعد حوالي «50 عاما» من الاستيلاء على الكويت بالاشتراك مع القبائل العربية التابعة لهم من آل صباح ومع الجلاهمة من الفرس، بالهجرة إلى زبارة" انتهى[22] .
وهناك من القبائل العربية الذين سكنوا سواحل فارس، مثل حلف «الهولة»، مازالوا يعانون من إلحاقهم الى القومية الفارسية من قبل البعض، لمجرد أنهم سكنوا الساحل الفارسي، مع أنني اعتقد أنهم من عرب عمان الذين ساهموا في طرد المحتل البرتغالي من مياه الخليج، وفي زمن ضعف الدولة الصفوية سكنت تلك القبائل العمانية سواحل فارس، وبسبب الخلاف الذي وقع بين القبائل العمانية على الساحل الفارسي انقسمت هذه القبائل إلى تحالفات مختلفة، ومنها تحالف الهولة الذي صارع تحالف العتوب، ونشبت بينهم حروب أضعفت الجانبين.
من أين قدم العتوب العرب إلى سواحل فارس؟
حسب قراءتي يتضح لي أن العتوب لم ينزحوا من نجد بل هم أهل بحر، وقدموا إلى سواحل فارس على سفن بحرية من مناطق ساحلية عربية، وعلى هذا أرى أن هؤلاء لم يكن قدومهم إلى قطر والكويت والديلم من الأفلاج، بل هم قدموا بسفنهم من عمان، وانتشروا في الخليج، كما أوضح راشد بن فاضل البنعلي العتبي، وكانت قطر محطة رئيسية لقبائل العتوب العمانية كما سيتضح للقارئ الكريم.
ولدي تحفظ على قول راشد بن فاضل بانتساب العتوب إلى بني سليم الذين عرفتهم المنطقة في القرن الرابع الهجري ضمن ثلاث قبائل في الجيش القرمطي «بنو ثعلبة، وبنو عقيل، وبنو سليم»، ومحاولة ربط حلف العتوب بمشاهير بني سليم ممن كان أسماؤهم «عتبة»، ولكن على كل حال قول راشد بن فاضل فيه شيء من المصداقية بخصوص أن العتوب كانوا في عمان قبل انتشارهم على سواحل الخليج.
العتوب هم مجموعة من القبائل العمانية
أرى أن العتوب هم مجموعة من القبائل العمانية يجمعها الهجرة من عمان والبحث عن موطن على ساحل الخليج يكون قريباً من المدن العامرة والمزدهرة في تلك الفترة مثل البصرة والقطيف والبحرين مستفيدين من سفنهم العمانية في نقل البضائع بين موانئ عمان والقطيف والبحرين والبصرة، وكذلك الاستفادة من مواسم الغوص على اللؤلؤ، واستطاعت هذه القبائل في فترة الخلافات الداخلية لفارس، وكذلك انتهاء الاحتلال البرتغالي للخليج، وتشجيع الدولة العثمانية للقبائل السنية المذهب، على الانتشار بين ضفتي الخليج العربي. كل هذه الأمور شجعت القبائل العمانية «الغفارية» أن تسيطر على الكثير من المواقع على الضفة الفارسية من الخليج، ومنها الديلم، بالقرب من البصرة، ومنها انطلق العتوب إلى الكويت، وتأسيس منطقة حكم العتوب بالقرب من البصرة، ومنها استفادوا من التشجيع العثماني للسيطرة على البحرين، أيضا، مستفيدين من تجمع قبائل عمانية في منطقة قطر «استراحة المسافر» يجمعهم تحالف قديم في أرض عمان «قبائل الغفارية»، وتمكنهم من السيطرة على أقوى منطقة اقتصادية في الخليج وهي البحرين، وكانت لديهم رغبة على السيطرة أيضا على منطقة القطيف ولكن فشلت تلك النوايا.
كان العتوب - كما يبدو - هم اليد الضاربة للجيش العماني في ذلك الوقت، ويثبت لنا ذلك أن آل بن علي العشيرة الكبيرة والتي منها الشيخ «عيسى بن طريف» فاتح مدينة «بمباسة» في شرق أفريقيا كانت هذه العشيرة الكبيرة ضمن جيش السلطان العماني السيد سعيد بن سلطان آل أبي سعيد[23] .
ومن المتعارف عليه أنه بعد انهيار السيطرة البرتغالية برزت القوة العمانية في الخليج، واحتلال القبائل العمانية لجميع مواقع البرتغاليين بعد طردهم، فنتساءل: أين هؤلاء العمانيون الذين سيطروا على الجزر والمواقع والقلاع البرتغالية على ضفتي ساحل الخليج العربي؟
الملاحظ أنه - بعد طرد البرتغاليين من قبل القبائل العمانية من الخليج كما هو مشهور - انقسمت هذه القبائل على نفسها، وبرزت تجمعات قبلية كاتحاد العتوب، واتحاد القواسم، واتحاد بني ياس، والهولة، وقد أتيح لتلك التنظيمات أن تصل إلى قدر كبير من النمو السياسي والاقتصادي[24] . وهذه التجمعات هي ذاتها القبائل العمانية التي طردت البرتغاليين واحتلت البحرين عام 1717م بقيادة سلطان بن سيف. في اعتقادي أن هذه التجمعات «العتوب، والقواسم واتحاد بني ياس... الخ» هي تلك القبائل العمانية التي قادت عملية طرد البرتغاليين.
وهذا يقودنا إلى القول بأن حلف العتوب مجموعة من القبائل العمانية انطلقت مع عمان لطرد البرتغاليين خلال حكم اليعاربة في عمان، وبعد سيطرتها على الكثير من المواقع البرتغالية في أنحاء الخليج استطاعت هذه القبائل أن تستقل عن حكم اليعاربة في عمان، ومن هنا سوف نتحقق من ذلك الرأي.
علاقة العتوب بقبائل قطر العمانية
يتفق معظم المؤرخين على أن قطر كانت نقطة انطلاق العتوب للسيطرة على مواقع في الخليج العربي، وكانت قطر هي مركز تجمع قبائل استغلت من قبل العتوب في الصراع للسيطرة على مناطق أخرى في الخليج، ولكن نتساءل: من أين قدمت هذه القبائل إلى قطر؟ وما علاقة العتوب بقبائل قطر؟
هناك علاقة وثيقة بين قبائل العتوب وقبائل قطر العمانية، بل تعتبر هي اليد الضاربة للعتوب منذ انتقال العتوب إلى قطر ومن ثم إلى الكويت، أو إلى البحرين، وإلى ساحل القطيف أيضا، المتتبع لجذور هذه القبائل قبل استقرارها في أرض قطر يجدها في أرض عمان، ويبدو أن لها علاقات طيبه قديمة في أرض عمان، وكانت هناك صلات قديمة بين قبائل العتوب العمانية والقبائل العمانية القطرية الأخرى، ويمكن التعرف على القبائل العمانية القطرية من أسماء القبائل التي تبدأ بحرفي التعريف «بو» كسائر القبائل العمانية «بو سعيد، بوسميط، بوفلاسة، بوعينين... الخ، وكانت قطر منطقة تجمع «استراحة مسافر» بالنسبة لهذه القبائل، وهذا ليس ضرب من القول.
أول سيطرة عمانية على البحرين
حسب ما ذكر لوريمر فالعتوب ظهروا لأول مرة في الخليج عندما استوطنوا الكويت سنة 1716م[25] . هل هي مصادفة بداية بروز العتوب في الخليج سنة 1716م، وهجوم إمام مسقط السلطان العماني، الإمام سلطان بن سيف عام 1717م على البحرين؟ وخراب المنامة واستباحتها وقيامه بقتل مجموعة من الفرس والشيعة، واحتل البحرين، واستمر في قتل الأهالي مدة ستة أيام[26] ؟
ما يتضح لي أن الجيش العماني الذي سيطر على البحرين كان يتكون من قبائل العتوب في قطر «وعلى رأسهم آل بن علي»، والذين هم في الأصل من أهالي عمان، وسنوضح فيما يلي ذلك:
العمانيون حكام قطر منذ زمن الجبور في البحرين
ينقسم سكان عمان إلى قسمين قبائل الهناوية عرب الجنوب أول الوافدين على عمان، وكذلك قبائل الغافرية، وتنتمي معظم قبائل الهناوية إلى الإباضية، أما معظم الغافرية فهم سنيون[27] ، وينحدر من قبائل الغافرية معظم الفروع التي انتشرت على ضفتي الخليج، ومنهم العتوب على ما أعتقد هم عمانيون من القبائل الغفارية.
وبعد انتهاء سيطرة الدولة البرتغالية على عمان وقيام أسرة اليعاربة وانحصار الإمامة بين أفرادها في النصف الأول من القرن السابع عشر واستمروا في الحكم حتى عام 1738م أثر التدخل الفارسي، في تلك الأثناء برز القواسم «إحدى قبائل عمان» كقوة مستقلة عن دولة اليعاربة، وكانت جلفار «رأس الخيمة» الموقع الرئيسي للقواسم وسيطرتهم على ساحل الخليج بين عمان والبحرين «ساحل القراصنة» حتى أن قطر كانت إحدى ممتلكاتهم كما ذكر خالد بن محمد الفرج في كتابه «تاريخ نجد» في مجرى حديثه عن قطر قال:
" وكانت أوائل القرن الثاني عشر تابعة للقواسم أمراء رأس الخيمة، ولها أمراء يؤدون الخراج لهم وأشهرهم آل مسلم أمراء بلد الحويلة والجلاهمة في الخوير، وآل بن علي في الزبارة. أما جزيرة البحرين فكانت بيد الجبور[28] الشيعة" انتهى[29] .
قبائل عمانية كانت تتبع حكم القواسم في قطر
1ـ قبيلة النعيم العمانية الأصل قال لوريمر: " والنعيم في البحرين وقطر منفصلون تماما عن الجسم الأصلي للقبيلة في عمان، ولا يحافظون على الصلة بالأخيرة، وهم يعتقدون أن أجدادهم هاجروا من عمان منذ بضع أجيال بناء على دعوة من العتوب، ثم إلى قطر من أجل طرد آل مسلًم" انتهى[30] .
2ـ قبيلة آل بني يطيل ذكرها لوريمر قوله: " آل بني يطيل، قبيلة صغيرة في البحرين، تدعي بأنها ترتبط ببني تميم، ولكن من المعتقد أنها تنحدر من سلالة خدم وعبيد، ويملك آل بني يطيل 10 منازل في صلبه، ويعيشون على صيد اللؤلؤ وصيد السمك، وهم مسلمون سنه على المذهب المالكي، وقد هاجروا من قطر مع العتوب" انتهى[31] .
3ـ آل بوسميط الذين كانوا يسكنون خور شقيق كما ذكر لوريمر: " يبدو أن سكنى آل بوسميط أساسا كانت في مكان بالقرب من خور شقيق في قطر، ولكنهم عند نهاية القرن الثامن عشر انتقلوا إلى الزبارة حيث انضموا إلى العتوب وهاجروا حوالي سنة 1810 من الزبارة إلى الجو في البحرين، فمكثوا هناك فترة عشرين عاما تقريبا، وبعد ذلك قام نزاع دموي بينهم وبين النعيم في البحرين، فانتقلوا إلى الدمام في القطيف، ومكثوا في الدمام حوالي سبعة أعوام فقط، ثم عادوا لفترة قصيرة إلى البحرين، وأخيرا هاجروا إلى لنجة حوالي سنة 1840 حيث ما زالوا هناك" انتهى[32] .
4ـ قبيلة السلطة التي عدها لوريمر من قبائل الهولة وهي كما أرى من القبائل العمانية التي نزحت من عمان إلى قطر ومنها انتشرت في الخليج وقال عنها لوريمر: " مفردها سليطي، وهي قبيلة تقيم في قطر، ويقال إنها فرع من بني مالك، وبناء على بعض التقارير والمراجع التي وصلتنا من العراق التركي عن طريق إيران فانه يمكن القول بتصنيفهم ضمن الهولة، وهم غير رحل، ولكن التقرير والاستدلال كلاهما موضع شك، وهم يملكون 650 منزلا في الدوحة بقطر، وعشرة منازل في حالة سلطان بالبحرين، ويعيشون على صيد اللؤلؤ والملاحة وتربية الماشية والإبل والسلطة من المسلمين السنة على مذهب الإمام مالك، وقد هاجر عدد منهم إلى البحرين مع العتوب سنة 1723، كما استقر بعضهم في الدمام في واحة القطيف في أوائل القرن التاسع عشر، وقد عاد بعضهم من البحرين إلى قطر ثانية سنة 1869؛ نتيجة لسوء التفاهم الذي حدث بين الدوحة ووالي البصرة" انتهى[33] .
انتقال آل بن علي «العتوب» من عمان إلى قطر
قال راشد بن فاضل، في مراحل انتقال آل بن علي وهم من قبائل بني عتبه من بني سليم: " ولعل بني سليم الموجودين الآن من نسل من تخلف ممن ارتحل إلى مصر لأني سمعت من أشياخ جماعتي أن أسلافهم، أولاً، كانوا في حرة بني سليم، قرب مدينة الرسول، ثم ارتحلوا إلى حدود عمان، وهم آنذاك بدو أهل عامود، وقد ارتحلوا إلى قطر، وارتحلوا إلى الكويت، ومن الكويت ارتحلوا إلى قطر ثانية، وكلما ارتحلوا من مكان تخلف منهم المستضعفون، وقد تخلف منهم المستضعفون، وقد تخلف منهم بالكويت جماعة معروفون الآن من البنعلي، حتى قال شاعر المرتحلين:
هب الشمال واللي به الخير قد شال واللي بقى حاش الردى والمذلة" [34]
ويرى لوريمر أن ليس كل فروع بن علي تنتمي للقبيلة الأصل، وقال أيضًا: " هي إحدى كبريات القبائل العربية الكثيرة العدد إلى حد ما، ويوجدون في البحرين في مدينة المحرق حيث لهم هناك «400» منزل، وفي مدينة «الحد» حيث لهم 100 منزل، أما في إمارة قطر فباستثناء المعاضيد فإن عددهم يقدر بحوالي «350» أسرة، وفيما يلي الفروع الرئيسية وفروع الفروع طبقا لأصدق المعلومات التي أمكن الحصول عليها عن آل بن علي، ولكن ليس من المؤكد أن كل الفروع المحددة تنتمي - من حيث الأصل - إلى تلك القبيلة، وهناك من الأسباب ما يدعونا للاعتقاد بأن بعضهم يمثلون قبائل منفصلة، ثم حدث أن صار بينهم ما يشبه التآخي"انتهى[35] .
آل بن علي «العتوب» ضمن جيش سلطان عمان
قال سيف الشملان في حديث عن العتوب ونزوحهم إلى الكويت: " وقد ظلوا في فيلكا مدة من الزمن، وبعد ذلك غادروها إلى أرض الكويت، حيث نزلوها بعد الإذن من ابن عريعر، وكان على أرضها الكوت، ويسكن قربه لفيف من البدو، والصيادين، وأتباع بني خالد، كما قلنا، ويقال إن ابن عريعر وهبهم الكوت، وكان له عليهم سلطة، وهم مجموعة من العشائر والأسر «الجلاهمة ـ الزايد ـ آل صباح ـ آل خليفة ـ المعاودة ـ آل رومي ـ آل سيف ـ آل بن علي» العشيرة الكبيرة والتي منها الشيخ «عيسى بن طريف» فاتح مدينة «بمباسة» في شرق أفريقيا مساعدة لسلطان عمان السيد «سعيد بن سلطان آل أبي سعيد» " انتهى[36] . وهذا يؤكد قول راشد بن فاضل البنعلي: إن العتوب كانوا في عمان قبل ارتحالهم الى قطر، والكويت.
آل بوعينين في قطر وعمان
ويلاحظ القارئ الكريم أنه ليس فقط العتوب الذين هاجروا من عمان وسكنوا على ضفتي ساحل الخليج، بل هناك قبائل أخرى كقبيلة آل بوعينين كانت قطر ضمن محطتهم الأولى في الخليج، وذكر لوريمر أن آل بوعينين هم على المذهب المالكي السني، ومصدر رزقهم على صيد اللؤلؤ وتجارته، وليس بينهم مزارعون إلا أن جزءا منهم يعيش في خيام خلال فصل الشتاء، ويقال إن آل بوعينين هم الذين أسسوا حي الدوحة في مدينة الدوحة في أوائل القرن التاسع عشر، ولكنهم أخرجوا منها عام 1828 إلى الرويس وفويرط، وفي النهاية أقاموا في الوكرة[37] .
كما ذكر لوريمر، أيضا، أنه في يناير من عام 1823 قام الملازم ماكلاود المقيم البريطاني بزيارة إلى الدوحة «البدع آنذاك» أثناء جولته على طول الساحل، ووجد هذا المكان يعترف بتبعيته للبحرين، وخاضعا لمعاهدة السلم الشامل تحت حكم شيخ من آل بو عينين[38] .
وكما يبدو أن آل بوعينين قبل انتقالهم إلى قطر كانوا يسكنون في إقليم الظاهرة من عمان كما أوضح لوريمر في الصراع القبلي على أملاك بيت آل عينين بين عامي 1879 ـ 1881م قوله: " أما الاضطرابات التي حدثت في عمان نفسها فكانت اضطرابات محلية أو قبلية إلى حد كبير، وقد تركز أحدها حول قلعة عينين في أقليم الظاهرة حين انتزعها البلوش في اوائل سنة 1879 من ايدي الميايحة وظل البلوش مسيطرين عليها في سنة 1881 حين هاجمهم عدد كبير من الغفارية فتخلوا عنها لبني علي من ينقل، ونشير هنا إلى أن السلطان حين خول البلوشيين السيطرة على القلعة باسمه فقد اعتدى اعتداء لاشك فيه على الشيخ برغش شيخ الغفارية، وبعد ان سيطر بنو علي على بيت آل عينين نجحوا في أن يخترقوا حصار الغفارية مكبدين اياهم خسائر قدرت بخمسين رجلا من رجالهم، وفي سنة 1881 كان الميايحة في حرب مع لايقل عن ثماني قبائل" انتهى [39] .
على كل حال يبدو لي أن القبائل التي عرفت بالهولة، والتي سكنت الساحل الإيراني، وانتقل بعضها إلى الساحل العربي من الخليج هي قبائل عربية انتقلت من عمان، وشاركت تحالف العتوب العماني في يوم ما في طرد المحتل البرتغالي «ضمن الجيش العماني» حتى أصبحت هذه القبائل سادة مياه الخليج، ولكن بسبب الصراع فيما بينها على المواقع الإستراتيجية في الخليج انقسمت إلى تحالفات منها ما عرف بتحالف العتوب، والخليفات والهولة... الخ.
ملاحظة:
في هذا المقال تطرقت إلى رحلة القبائل العمانية التي كان لها دور بطولي في طرد البرتغاليين من الخليج العربي وتمكنت من السيطرة على قلاع البرتغاليين وهذا هو السبب الرئيس لانتشارها على ضفتي الخليج، أما بالنسبة لأنساب هذه القبائل والاختلاف فيها فلا أدعي امتلاك الحقيقة المطلقة فقد يصح أن العتوب ترجع أصولهم إلى أرض نجد وقد يكون انتقالهم من نجد إلى عمان ومنها إلى باقي أنحاء الخليج والله أعلم.
كما لاأدعي معرفة أصول هذه العشائر والى أي قبائل تنتمي وإن كانت أصولها من قلب نجد أو خلافه، والناس مؤتمنون على انسابها، وإنما الهدف الرئيس في هذا المقال هو التوضيح بأن قبائل العتوب كانت بدايات انطلاقها من أرض عمان لطرد المحتل البرتغالي وهكذا انتشرت في أنحاء الخليج، هذا حسب قراءتي لتاريخ الخليج العربي.
[1] تاج العروس من جواهر القاموس، مرتضى الزبيدي، تحقيق عبد الكريم العزباوي، ومراجعة الدكتور إبراهيم السامرائي وعبد الستار أحمد فراج، بإشراف لجنة فنية من وزارة الإرشاد والأنباء، دار الهداية للطباعة والنشر والتوزيع، مطبعة حكومة الكويت 1386هـ، 1967م جـ3/306.
[2] تاج العروس من جواهر القاموس، الزبيدي، مرجع سابق، جـ3/310.
[3] الكويت وجاراتها، ديكسون ترجمة فتوح عبد المحسن الخترش، منشورات ذات السلاسل، الكويت، الطبعة الثانية 2002م ص: 17.
[4] مجموع الفضائل في فن النسب وتاريخ القبائل «قبيلة آل بن علي»، سليم والمعاضيد، راشد بن فاضل، تحقيق الدكتور حسن بن محمد بن علي آل ثاني، بدر للنشر، توزيع الفرات للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، الدوحة، قطر 2007م، ص: 40.
[5] تاريخ الإسلام، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1407هـ 1987م، جـ5/266 - 367.
[6] قاموس الرجال، الشيخ محمد تقي التستري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم المشرفة، الطبعة الأولى، 1419، جـ9/168.
[7] الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1415هـ، جـ6/528.
[8] من تاريخ الكويت، سيف مرزوق الشملان، منشورات ذات السلاسل، الكويت، الطبعة الثانية 1406هـ، 1986م، ص: 109.
[9] الكويت وجاراتها، ديكسون، مرجع سابق، ص: 17.
[10] كتاب سبائك العسجد في أخبار أحمد نجل رزق الأسعد، الشيخ عثمان ابن سند البصري، مطبعة البيان، مبي، الهند، 1315، ص: 18.
[11] دليل الخليج، ج. ج لوريمر، القسم الجغرافي، منشورات قسم الترجمة بمكتب أمير دولة قطر، د، ت، جـ7/2548.
[12] بيان الكويت، سيرة حياة الشيخ مبارك الصباح، د. سلطان بن محمد القاسمي، الناشر: د. سلطان بن محمد القاسمي، الشارقة، دولة الإمارات العربية المتحدة، لم يذكر اسم المطبعة، الطبعة الأولى، 1424هـ، 2004م، الشارقة، 2004م، ص: 12.
[13] دليل الخليج ـ القسم التاريخي، سبق ذكره، جـ3/1502.
[14] التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية، محمد بن خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي، دار إحياء العلوم بيروت، المكتبة الوطنية البحرين، الطبعة الأولى 1406هـ، 1986م، ص: 83.
[15] الكويت وجاراتها، ديكسون، مصدر سابق، ص: 17.
[16] من تاريخ الكويت، س راشد بن فاضل البنعلي يف مرزوق الشملان، مر ذكره، ص: 107 - 109.
[17] مجموع الفضائل في فن النسب وتاريخ القبائل، راشد بن فاضل، مر ذكره، ص: 40.
[18] من تاريخ الكويت، سيف الشملان، مصدر سابق، ص: 108.
[19] قراءة معاصرة في تاريخ عرب الهولة والعتوب، جلال خالد الهارون الأنصاري، لم يذكر بلد النشر ولا الناشر، الطبعة الأولى، 1429هـ، 2008م، ص: 20.
[20] وسط الجزيرة العربية وشرقها «1862 ـ 1863»، وليام جيفورد بالجريف ترجمة صبري محمد حسن، منشورات المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، مصر، 2001م، جـ2/286.
[21] وسط الجزيرة العربية وشرقها «1862 ـ 1863»، وليام جيفورد بالجريف، مر ذكره، جـ2/290.
[22] تاريخ البحرين السياسي من عام 1753 ـ 1904 التأسيس ـ والازدهار ـ دراسة وثائقية ـ ج. ج سلدانها ـ الدكتورة فتَوح عبد المحسن الخترش. الناشر: ذات السلاسل، الكويت، «رقم الطبعة وتاريخها» ص: 27.
[23] من تاريخ الكويت، سيف مرزوق الشملان، مصدر سابق، ص: 109.
[24] تاريخ الخليج العربي الحديث والمعاصر «1840 - 1914» د. جمال زكريا قاسم، دار الفكر العربي، القاهرة، 1997م/1417هـ جـ1/422.
[25] دليل الخليج القسم الجغرافي، مصدر سابق، جـ7/2548.
[26] محمد بن خليفة 1813ـ 1890م الأسطورة والتاريخ الموازي، مي محمد الخليفة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، دار صبح للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة العربية الثانية 1999م، ص: 149.
[27] تاريخ الخليج العربي الحديث والمعاصر، جمال قاسم، مصدر سابق، جـ2/77.
[28] ذكر محقق الكتاب أن في النسختين أ وب "بيد آل عصفور من الجبور" المصدر الخبر والعيان في تاريخ نجد، خالد محمد الفرج، تحقيق ودراسة عبد الرحمن بن عبد الله الشقير، مكتبة العبيكان، الرياض، الطبعة الأولى، 1421هـ، 2000م، ص: 239.
[29] الخبر والعيان في تاريخ نجد، خالد بن محمد الفرج، مرجع سابق، ص: 239.
[30] دليل الخليج، القسم الجغرافي، مرجع سابق، جـ5/1719.
[31] نفسه، جـ7/2571.
[32] نفسه، جـ6/2135.
[33] نفسه، جـ7/2407.
[34] مجموع الفضائل، راشد بن فاضل، مصدر سابق، ص: 38.
[35] دليل الخليج القسم الجغرافي، مرجع سابق، جـ1/83.
[36] من تاريخ الكويت، سيف مرزوق الشملان، مصدر سابق، ص: 109.
[37] دليل الخليج، القسم الجغرافي، مصدر سابق، جـ1/66.
[38] دليل الخليج، القسم التاريخي، مصدر سابق، جـ3/1205.
[39] دليل الخليج، القسم التاريخي، مصدر سابق، جـ2/783.