الرجاء من القراصنة الدخول .. كلمة راس مع ب. ج. سلوت
شرح ب. ج. سلوت صاحب كتاب عرب الخليج لمفهوم (القرصنة)
القرصنة بين الحقيقة والوهم
لم يرد الكثير عن القرصنة في هذه الفترة التي يعالجها الكتاب، مثلما ظهرت فيما بعد. وتشير المصادر الأوروبية كلها كثيرا إلى القراصنة "رغم أن أمة ما منهم كانت أكثر من غيرها حساسية بأعمال اللصوصية المزعومة بحرا". ومفهوم كلمة القرصنة في وقتنا الحاضر سيء للغاية. ولكي نفهم أحداث القرنين السابع عشر والثامن عشر، علينا أن ندرك تماما بأن كلمة القرصنة معناها آنذاك لا تعني مفهوم الكلمة السيء في وقتنا الحاضر، وأن معظم ما كان يذكر عن القرصنة في ذلك الوقت لا ينطبق مع مفهومنا الحالي لها. كان كل بحار في ذلك الوقت، من أي بلد كان يعتبر قرصانا بصورة إجمالية حسب المفهوم الحالي. إذ أن رعايا الدول المختلفة كانت تعتبر الاستيلاء على أي مركب يخص العدو أو أحد حلفائه عملا طبيعيا. ويفرق أصحاب المبادئ وواضعوا القوانين المحدثون بين مسمى حالات مختلفة مثل: مركب القرصنة أو المركب المفوض من قبل الحكومة لمهاجمة سفن العدو أو الذين يقومون بأعمال السلب بالقوة وهؤلاء لا تتلاءم أعمالهم مع المهن المهذبة وبين تصرفات القراصنة العاديين. وفي الواقع إنه من الصعب التمييز بين السلوك المهذب للاستيلاء على سفن العدو، وبين اللصوصية. أما فيما يتعلق بالخليج فالوضع في غاية التعقيد حيث أن مفهوم الحرب والسلم فيها غير واضح. إلا أن الإشارة إلى القرصنة الحقيقية في الخليج نادرة نسبيا. فقد كان القراصنة الحقيقيون، وهم عادة من الأوربيين، يمارسون نشاطهم عادة في المحيط الهندي.
ولعل ما جاء في بعض الوثائق الأوروبية من أن رجال القبائل العرب هم من القراصنة أمر مشكوك فيه. فعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار بأن الحرب بين البرتغاليين وبين عرب عمان كانت مستمرة تقريبا. ولهذا السبب فإن استيلاء العرب على المراكب البرتغالية يعتبر أمرا شرعيا تماما. ويعتبر وصف البرتغاليين لذلك بأنه من أعمال القرصنة، دعايات حربية. وكان المراقبون الهولنديون يرون أن هجوم العرب على السفن البرتغالية عمل حربي طبيعي. وكانت حالة الحرب سائدة أيضا بين القبائل العربية وبين سوارات أو كنارا أو بلاد فارس. وفي مثل تلك الحالات فإن للعرب ما يبرر مهاجمتهم لسفن تلك الشعوب. ولا شك أنه أقل تبريرا مهاجمة حلفاء وأصدقاء الأعداء أومهاجمة السفن المحايدة المتوجهة لموانئ العدو.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار ما ذكر عن القرصنة في القرنين السابع عشر والثامن عشر، نجد أنه من الممكن اعتبار معظم الأعمال التي يطلق عليها ضحاياها اسم القرصنة، أعمالا قانونية تجري عادة في زمن الحرب. ومن الممكن أيضا اعتبار هجمات العمانيين على السفن العربية المتوجهة إلى بندر كنج، عندما كان البرتغاليون يتقاضون رسوما عليها، أعمالا قانونية. ويطبق هذا القول على هجمات العرب على السفن السوراتية تحت حماية العلم الانجليزي وقت الحرب مع سورات. وتعتبر الهجمات العربية على السفن المتجهة من وإلى الموانئ الفارسية في زمن الحرب قانونية أيضا. وكان يتم الاستيلاء أيضا على السفن الخاصة بالهولنديين أو الانجليز أو التابعة لهم.
ويبدو أن الانجليز كانوا ضحية لمثل هذه الهجمات في الخليج أكثر من الهولنديين. فالهولنديون كانوا يستخدمون السفن المجهزة بالأسلحة الثقيلة في حالة توقع الخطر كما كانوا أقل ميلا إلى تأمين حماية التجارة الدولية من قبل السفن الهندية تحت حماية علمهم. ولم ينتج عن مثل هذه الهجمات أية أحداث خطيرة. ولقد أدرك العرب مدى قوة وعنف الرد المحتمل من قبل الأوروبيين كما كانت معظم حالات الهجوم على السفن الهولندية أو الانجليزية عبارة عن أخطاء تحدث عندما لا تتضح التبعية تماما. وكان الهولنديون يحصلون مباشرة على تعويض عن السفن والبضائع المشحونة. وهكذا كان الحال مع الانجليز.
وأما من حيث استخدام المصادر لكلمة القراصنة فهي ببساطة مسألة لغوية. في ذلك الوقت لم يظهر بدقة الفرق بين سلوك اللصوصية وبين مهاجمة المراكب المفوضة من قبل الحكومة ضد سفن العدو. ويبدو في التقارير أن للكلمتين نفس المعنى. وقد يكون كاتب التقرير هو الضحية أو أنه يجازف فيصبح ضحية. والواقع أن الوضع في الخليج كان يشجع على أي نوع من الهجمات المفوضة من الدولة. فالحروب كانت دائما قائمة بنوع أو بآخر. وكان من الصعب التمييز بين التجارة الدولية التابعة للعدو والتجارة الدولية تحت حماية العلم الانجليزي أوالشركة الهولندية. ولأسباب عديدة قلما كانت السفن الأوروبية الصنع التابعة لشركتي الهند الشرقية الانجليزية والهولندية تواجه أية مشاكل مع العرب، بل كان الهولنديون والانجليز هم الذين يهاجم بعضهم البعض كما حدث عام 1653 عندما استولى الهولنديون على بعض السفن الانجليزية في الخليج.
ولهذا حاولنا تجنب استخدام كلمة "القرصنة" حتى ولو استخدمتها المصادر. ونحن نعلم أن مفهوم كلمة "القرصنة" مختلف بالنسبة لكتاب تلك المصادر. ومن الممكن أيضا اعتبار جميع أعمال الاستيلاء على السفن في الخليج شرعية. وحيث أنه لم يكن في الخليج، وبصورة منتظمة، سفن حربية كبيرة، فإن هذا يعني أن السفن التجارية هي التي كانت تقوم بالأعمال الحربية البحرية وليس من الواقع أن يؤول الموضوع أخلاقيا. ففي أماكن عديدة من أوروبا سيطر الوضع نفسه وظل حتى الزمن النابليوني.
مقتبس من كتاب عرب الخليج 1602 – 1784 لـ ب. ج. سلوت / ترجمة عايد خوري
ومليون نعم في النواخذه اللي يقرون الموضوع
خالص المودة